مناقشة الادوار التي لعبها فاعلي التنمية
خلال انتخابات الإدارة المحلية
عقدت حركة البناء الوطني جلستين مركزتين ضمن حملة دورك لمناقشة الأدوار التي لعبها فاعلي التنمية على المستويين المركزي والمحلي خلال انتخابات الإدارة المحلية التي جرت مؤخراً، وكيفية الاستفادة من التجربة لتصور المداخل الممكنة لتفعيل اللامركزية التي باتجاه إطلاق التنمية المحلية التي تعمل على بناء السلام في الحالة السورية.
ولأهمية الإعلام ودوره خصصت الجلسة الأولى في 26 أيلول 2022، بعنوان "الإعلام المحلي والتنمية وبناء السلام" مع خبراء الإعلام لمناقشة واقع الإعلام المحلي، وأبرز التحديات التي تواجه تفعيل دوره في عملية التنمية المحلية على المستويين المركزي والمحلي.
ومن أجل التعمق بأدوار الفاعلين التنمويين في بنية الإدارة المحلية وسبل تفعيلها والوصول للامركزية الإدارية التي تبناها القانون 107، عقدت الحركة الجلسة المركزة الثانية مع خبراء التنمية يوم السبت الواقع في 15 تشرين الأول 2022، بعنوان "نحو حوكمة محلية للتنمية" لمناقشة مداخل الانتقال إلى التعافي عبر تفعيل الإدارة المحلية.وقد وقف غياب السياسات التنموية في الخط الأول من أهم التحديات التي تعترض واقع التنمية المحلية وفق للخبراء، ولذلك رأوا أن الانتقال للتنمية التشاركية صعب ويواجه بالعديد من المعوقات، لذلك لا يمكن الحديث عن المشاركة المجتمعية دون التأكيد على كونها عملية واسعة سياسية واجتماعية وثقافية وقانونية متكاملة.و برزت إشكالية البنية التشريعية والمالية والمؤسساتية التي تعيق تفعيل قانون الإدارة المحلية بما يساعد المجالس المحلية في وضع خطط التنمية. كما لحظ المشاركون أن العائق أمام وضع خطط التنمية ليس الوضع الاقتصادي المتردي للعديد من المحليات، بل إن عدم قدرة المجالس المنتخبة على وضع خطط تنموية محلية يعود بشكل رئيسي لافتقاد الخبرة، فهناك الكثير من المحليات وضعها الاقتصادي متردي كانت مشاركتها أكثر من مناطق لديها قدرات اقتصادية أكبر.وأكد المشاركون أن هذه الخبرة ضرورية لتحديد المشاكل المجتمعية واحتياج المحليات، وقراءة الموارد البشرية ورأس المال المجتمعي الذي تتميز به كل منطقة، والانتقال من الجانب الإغاثي إلى الإنتاج، فتأطير التنمية في الاعتماد على المركز، وفي منطق الدعم والإغاثة يهدم أساسيات فكرة التنمية المستدامة.كما تم التأكيد على ضرورة تكامل الخطط بين المحليات المتجاورة عبر ما يمكن اعتباره مناطق اقتصادية متكاملة، فالقانون كان فضفاضاً في أماكن معينة عندما ساوى بين كل الوحدات الإدارية في صلاحيات التخطيط والتنفيذ، وهذا يتطلب تعزيز فكرة الإدارات المشتركة، وتفعيل المراصد الحضرية التي نص عليها قانون الإدارة المحلية لتكون بمثابة بنك المعلومات الذي يقدم كل ما يتعلق بواقع المحليات ويساعد الجهات المتخصصة بوضع الخطط التنموية. وفي ظل كل تلك المتطلبات، يبرز التساؤل الأهم حول قدرة هيئة التخطيط والتعاون الدولي على تحقيق التنمية ورسم الخطط التنموية.
وعلى الرغم من تأكيد الجميع على أهمية قانون الإدارة المحلية رقم 107، إلا أن التنفيذ لم يكن على مستوى هذا القانون، مع الإشارة إلى تمحور النظرة للخطة الوطنية للامركزية الإدارية على أنها مجرد نقل صلاحيات دون الالتفات للأبعاد التنموية. ومن جانب آخر، وعلى أهمية الخطة الوطنية للامركزية الإدارية، إلا أنه وفي الوضع الحالي رأى الخبراء أن المركزية هي السبيل الأفضل الحفاظ على تماسك الدولة، مع التأكيد أن هذه المطالبة لا تعني أن تكون هذه المركزية احتكارية.
ولتحقيق التوازن بين تحقيق التنمية المحلية والمركزية المطلوبة برزت لدى الحضور أهمية تدعيم المركز بقوة أساسية تحظى بالقبول وتعتمد المشاركة المجتمعية عبر تفعيل المحليات بما يسهم في ردم فجوة الثقة التي اتسعت ومازالت بين المواطن ومؤسساته، والعمل على نفي أسباب الإحباط، والإيمان بأن الديمقراطية تبدأ من أصغر نقطة في المحليات وصولاً للمشاركة المجتمعية في صنع القرار.
وفي إشارة إلى غياب المشاركة المجتمعية المطلوبة، كان التأكيد أيضاً على غياب العملية الإشرافية على هذه الانتخابات، وبالتالي فقدان المحاسبة والمساءلة، وهو ما سببه الاندماج بين حزب البعث والحكومة، الأمر الذي أضعف دور باقي الأحزاب حتى الجبهوية منها.
أما على الصعيد الإعلامي برزت ضرورة إعادة هيكلة منظومة الإعلام والانتقال بمنطق التفكير إلى تفعيل الإعلام المحلي كشريك مع المجتمع المدني والأهلي والمجالس المحلية في عملية التنمية، وهذا يتطلب بالضرورة تطبيق قانون الإعلام أولاً وتطويره ثانياً بما يتناسب مع الأدوار المطلوبة منه في مرحلة التعافي.ووفقاً للخبراء فإن عدم وجود استراتيجية واضحة لتطوير الإعلام المحلي وانعدام الرؤية لأهمية الصحافية المحلية، وعدم الاستفادة من العملية التراكمية للإعلام وانتشار الفساد، يقيد العمل في الاعلام المحلي بالكثير من الصعوبات والتحديات، فالمشكلة تكمن في المركزية الشديدة التي يدار بها الإعلام بشكل عام، وخاصة الاعلام المحلي، فكانت الحكومة هي الموجه للإعلام حتى بدون وجود خطة وطنية للإعلام وبالتالي عدم وجود سياسات إعلامية محددة، بالإضافة إلى ذلك تمت الإشارة إلى غياب دور اتحاد الصحفيين في دفاعه عن دور الصحفيين، وفي المجمل فإن الثغرات في الإعلام جعلتنا فريسة لمنابر خارجية غير معروفة استطاعت التأثير والوصول لنسبة كبيرة من السوريين.
كما يجب عدم إغفال تحدي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح لدى المجتمع القدرة على تكوين وجمع معلوماته وأخباره، ومعالجة قضاياه ومناقشتها، وبالتالي فالمجتمع المحلي استطاع تجاوز عطالة الإعلام المحلي الحكومي المغيب، فيما يبقى للإعلام الخاص هوامشه الموسعة ضمن شروط معينة، وعلى الرغم من ذلك فهو يقلد الإعلام الحكومي ويعتبره الموجه له.ووقف العمل على تأهيل الصحفيين وتمكينهم وبناء قدراتهم كأحد أهم التوصيات مع التأكيد على هامش الحرية، إضافة إلى العمل على تطوير الإعلام المحلي بحيث يكون متنفس للناس وتركيز الإعلام على قضايا محلية بحيث يكون أحد الوسائل أو الأدوات لحل المشاكل التنموية.ولذلك فقد اقترح الخبراء إجراء حوار مركز بين جميع الأطراف بهدف الوصول لبرتوكول أو صيغة أو وثيقة تتضمن واجبات كل طرف ومسؤولياته، تشكل خطة مرحلية لتحقيق التعافي عبر التمكين المحلي، إضافة إلى تغيير طريقة التفكير بالمبادئ الأساسية للحوكمة والعمل على تفعيل المساءلة وتحقيق الشفافية.