حكايا الصور

آذار 2022

أربع سنوات مرت على بدء أمسية حكايا الصور، وما زالت مساءاتنا تتكلل بأجمل الحكايا وأعذبها، وفي أمسية حكايا الصور أمس 23 آذار التي صادفت العيد الرابع للأمسية، نثر المشاركون/ات عبق حكاياهم بحس أدبي وفني جميل.

البداية كانت مع رهادة عبدوش التي نقلتنا بشغف مكثف وسرد بديع من خلال حكايتها التي دخلت فيها عمق الصورة بإسقاطات تاريخية على مدينة حلب ووصفها للنوادي الرياضية فيها، كثافة معلوماتية اتخذتها رهادة، أخذتنا معها لعدة أجيال، في حلم مكرر بشخصيات وبطلات كثر، استطاعت من خلالها العبور فوق كل التوصيفات فتجاوزت القومية والدين متجولة في أحياء حلب.

لتأتي بعدها "ذاكرة المطر" للصديق بلال المصري، وكأن للمطر ذاكرة أمسكت بيدنا وعشنا معها ثلاثة أزمنة من 2020 إلى الثمانينات إلى 2010 واستطاعت أن تعكس لنا بوضوح ماكان يعانيه بطل الحكاية من تخبط وضياع.

وعلى الرغم من الصدمة التي أحدثها العرض، إلا أن الدقة في توصيف الواقع كان لازمة وضرورية لنكون معاً قادرين على استعادة لحظات تاريخية مؤلمة، تحاكي الواقع كثيراً، علنّا من خلال هذه المحاكاة ننطلق بحلول ومعالجات ثمينة نحن بحاجة لها.

تناقض غريب سرده بلال، شدَنا رغم الألم الكبير إلى النهاية، فكان أسلوبه شيقاً رائعاً ممتزجاً بين الفصحة والعامية مستشهداً بعبارات تاريخية أضافت حيوية للنص.

لكن رشاقة النص وسلاسة اللجهة المصرية المحببة كانت واضحة في حكاية "غريبة" للدكتور نبيه عريج الذي أبدع في حسه الأدبي والفكاهي الرشيق، وخاصة في أدائه قصته عن ظهر غيب، لدرجة خيل إلينا أنه راوٍ نَسَجَ قصته من خياله.

لكن الحقيقة أنها قصة وثقت على الورق ووثقت في عقل الدكتور نبيل ليلقيها علينا ببراعة مستذكراً الوحدة بين سوريا ومصر ومن بعدها حرب لبنان، ولعل الطرافة والجمال كانت في بطلة الحكاية، سيدة في الثمانين من عمرها، تشارك في دورة الألعاب في مصر، حيث تسرد القصة ما تعرضت له البطلة من عذاب وكيف آل الحال بها.

"ميدالية النوايا الحسنة" كانت آخر القصص مع صبا طعمة، حيث تروي الحكاية قصة عائلة ملتزمة دينياً مؤلفة من ثلاث بنات، تمشي بنا الحكاية في أزقة حي الصالحية، ترافقنا إلى الملعب البلدي لتصل إلى وقوع إحدى الفتيات بغرام البطل السوري العالمي علاء الدين نعمو، هذه الشخصية المتمردة على العادات والتقاليد، التي أضافت طابع الفكاهة على الحكاية، كانت كفيلة بشدنا حتى النهاية، فكنا أمام قصة غنية بمعلوماتها التاريخية وطريقتها السردية الوثائقية.

وفي النهاية كان الختام مسكاً فبعد كل هذه الحكايا اللطيفة المرور على البال، روت لنا السيدة صبيحة جلب مستارة محكمة النقض المدني، ورئيسة هيئة محكمة الاستئناف في إدلب، المجازة في الحقوق والجغرافية والتي عملت إدارية في مدرسة الخنساء في الستينات، ومن بعدها انتقلت إلى القضاء في السبعينات وكانت أول سيدة في إدلب تدخل سلك القضاء .

السيدة صبيحة كانت حاضرة معنا في هذه الأمسية عبر تسجيل صوتي، لتروي لنا بصوتها القصة الحقيقة للصورة، وكما روت السيدة صبيحة الصورة من ثانوية الخنساء في إدلب بالنصف الثاني من الستينات حيث كانت إدارية في المدرسة، وكانت تلك الفترة مساحة واسعة للتحرر الفكري الذي كان سائداً في إدلب حينها.

هذا التحرر الذي انعكس واضحاً في النشاطات الثقافية والفنية الدورية التي كانت تنظمها المدرسة، والتي كانت غنية بمشاركة الطالبات وأهاليهم على امتداد واسع حتى أنها لم تلق اعتراض إلا من فئة قليلة جداً، كما كان لشباب وشابات إدلب دور كبير في جامعة حلب وقيادتها العلمية السياسية، هذا ما يعكس لنا الحركة العلمية والأنشطة الثقافية والاجتماعية الممتدة على مساحة المحافظة حتى في الأرياف.