سوريا الى أين: 

اجتماعياً

تُلحق الحروب والنزاعات ضرراً كبيراً على المجتمعات بمختلف قطاعاتها خاصة حين يطول أمدها، وتظهر آثارها جلية عليها، حيث أنها تتحول لوقود للحرب والحاضن لها والأكثر تضرراً من آثارها. في  سوريا  شهد الواقع الاجتماعي تغيرات متسارعة في قضاياه مما جعلها في سلم الأولويات لمناقشتها والتفكير في تداعياتها، لمساسها المباشر بحياة الناس اليومية وتأثيرها على التنشئة والقيم وهوية الناس والتماسك المجتمعي.

وفي إطار برنامج  الأربعاء السوري  أطلقت  حركة البناء الوطني  في مقرها بدمشق، أمس الأربعاء 18/11/2020 ثاني جلسات سلسلة  سوريا إلى أين ، وخصصتها للحديث عن الجانب الاجتماعي، لتحمل الجلسة عنوان  تفتت شبكة المصالح الاجتماعية ، وذلك بحضور مجموعة من الخبراء في المجال الاجتماعي والقانوني والإعلامي وناشطين في الشأن العام.

سوريا إلى اين اليوم اجتماعياً؟ نطرح الاسئلة اليوم حول هذا الواقع، ونحاول مقاربتها لنعرف أين هي المساحات التي نستطيع التأثير فيها قبل أن نصل لنهايات مسدودة، تلك المساحات التي تُعنى بعدة أمور نراها أساسية اليوم:
- النسيج السوري ليس فقط داخل سوريا بتنوع مناطقها وتبعيتها، وإنما النسيج السوري المنتشر بكل بقاع العالم.
- الدعم الاجتماعي الذي قدمته الدولة والتي كانت دوماً الحامل الرئيسي لقطاعات مهمة من صحة وتعليم، ولكنها اليوم تبدو غير قادرة على فعل شيء، وبدأت برفع الدعم. فهل يمكن اليوم الحديث عن حالة مجتمعية تستطيع ان تحمل وتدعم الأمان الاجتماعي؟ وهل يمكن تحويل الاموال الكبيرة من الاغاثة إلى التنمية المستدامة؟ هل يمكن تحويل الوقف الديني لحالة تنموية مجتمعية بدلاً من بقاء هذه الاوقاف مجمدة دون استثمار؟
- هل للمجتمع بظل هذا التدهور وضعف الدولة وتدخلها أن يحمل نفسه ويحافظ على تماسكه ومقومات بقائه ليستطيع العيش ويمنع التفتت او على الأقل يخفف من سرعة الانهيار؟

بدأت الجلسة باستعراض مجموعة من  المؤشرات  الاجتماعية الخطيرة التي أعلنتها الحكومة، يمكن من خلالها قراءة واقع التدهور الاجتماعي حاليا في سوريا وهي: مؤشر المؤسساتية، مؤشر الشفافية الحكومية، مؤشر العلاقات بين المكونات الاجتماعية، مؤشر النظام العام. فماذا يمكننا أن نفعل؟ إلى أين نتجه؟
هنا ركز الحضور على مجموعة نقاط استعرضوا فيها المشاكل والتي يمكن من خلال أن نضع فرضيات للحل وهي:
الواقع التعليمي وما يعانيه من ضعف بالبنى التحتية، وتعدد المناهج التعليمية على امتداد الجغرافيا السورية، شواغر كبيرة ولا قدرة على تغطيتها، انتشار العنف بين فئات الاطفال والشباب بسبب المحتوى الاعلامي العنيف وتنشئتهم بظروف مجتمعية محاطة بالعنف ومولدة له.
تدهور الوضع الاقتصادي بسبب قرارات حكومية فاقمت من المشكلة بدلاً من حلها وساهمت بانحلال الطبقة الوسطى، وعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة منذ سنوات ما قبل الحرب فالعقوبات ليست هي المؤثر الأكبر في الحالة الراهنة بل تفشي الفساد والتخبط الاقتصادي والإداري. ويضاف لذلك انتشار العنف والانحلال الأخلاقي وتسوّل الاطفال وعمالتهم، وفقدان الشباب لفرص العمل المشجعة لبقائهم، وزيادة الشرخ بين الحكومة والشعب لغياب الشفافية. ورغم كل هذه الوقائع السوداوية إلا أن هناك ممكنات مازالت موجودة وأفكار قابلة للتطبيق إذا وجدت الإرادة المجتمعية والاصرار لذلك ومن هذه الحلول التي طرحها الحضور:


تبدأ الحلول من إيجاد منظومة تفكير وعقلية جديدة قادرة على إيجاد حلول غير تقليدية لمشاكل المجتمع، اعتمادا على المعلومات والأرقام فاعصر هو عصر الداتا وليس الآراء الاعتباطية بالإضافة لخلق مساحة واضحة للمشاركة المجتمعية يمكن تسميتها بحكومات ظل مجتمعية داعمة للعمل الحكومي يتم فيها تكريس ثقافة جديدة لدى الناس قائمة على مشاركة أكبر وإيمان أعلى بمجتمعاتهم وإمكانياتها.
وتفعيل دور النساء والشباب في إعادة بناء الوطن بعيداً عن طرق التمكين التقليدية والتحول نحو تكريس التمكين المحلي للمجتمعات المحلية فتفكيك الازمة يساعد على حلها.

ومن الضرورة أيضا إيجاد مصادر تمويل جديدة للمشروعات وشبكة الدعم الاجتماعي التنموي خصوصا من المصادر الاهلية.
وفي التعليم قد يسهم القيام بمبادرات لنشر التعليم الالكتروني للفئات التي يصعب عليها الوصول إليه بالطرق التقليدية، محاربة الفساد وتفعيل الدور الرقابي للمجتمع، زيادة الشفافية وتوفير المعلومات والأرقام الحقيقية لقياس أي ظاهرة في المجتمع حتى نستطيع معالجتها بدقة، تمكين الشباب وتوظيف خبراتهم بشكل جماعي مؤثر في مجتمعاتهم المحلية.

وأخيراً من المهم أن نؤكد أنه رغم الاختلاف في وجهات النظر خلال الجلسة لتوصيف الواقع إلا أن الجميع متفقين على أهمية الدور المجتمعي (الأهلي والمدني) في خلق مساحة عمل تشاركية لوقف هذا التدهور الذي نتجه إليه، وعلينا تحديد هذا الدور وماهيته قبل الدخول بأي قطاع.

تستمر  جلسات "سوريا إلى أين" في الأسابيع القادمة، حيث تأتي هذه الجلسات في إطار متكامل لإعادة تجميع وقراءة عدد من الموضوعات التي تم اختصارها بثلاثة عناوين حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في سوريا، بهدف تكثيفها ورصد مؤشرات التغيير الجديدة لواقعنا نتيجة هذا التدهور السريع ومقاربة حلول تناسب مستجدات هذا الواقع.


تفاصيل أكثر حول الجلسة تتابعونها في التقارير المكتوبة والمصورة أدناه