"طعم الاسمنت": حين يبني العمال مستقبلاً مجهولاً وسط أنقاض الماضي
يأخذنا الفيلم الوثائقي "طعم الاسمنت" ، للمخرج السوري زياد كلثوم، في رحلة بصرية مؤثرة داخل حياة العمال السوريين في بيروت، الذين يشيدون ناطحات السحاب هناك بينما تُدمر منازلهم في سوريا بفعل الحرب. هذا التناقض القاسي يسلط الضوء على واقعهم المرير: يبنون بأيديهم مستقبلاً في بلد غريب، بينما تنهار جذورهم في وطنهم.
يرصد الفيلم تفاصيل يوميات هؤلاء العمال، الذين يعيشون في عزلة مزدوجة؛ مقيدون بحظر تجول صارم يمنعهم من مغادرة مواقع البناء بعد انتهاء العمل، ليقضوا لياليهم في أقبية المباني غير المكتملة. بين الجدران العارية، تلاحقهم أخبار الحرب وذكريات فقدان الوطن، ليجدوا أنفسهم عالقين بين ماضٍ مسلوب ومستقبل ضبابي.
يمتاز الفيلم بجمالية بصرية آسرة، حيث تتحول المباني الخرسانية إلى لوحات فنية تعكس مشاعر القلق والتشرد، فيما تضفي اللقطات البطيئة بعداً شعرياً على معاناتهم. بأسلوبه السردي العاطفي وصوره القوية، يقدم الفيلم شهادة صادقة عن محنة العمال النازحين، الذين يتحملون ضغوطاً هائلة في ظل واقع سياسي غير مستقر.